الاثنين، 19 يناير 2009

قصيدة جديدة

لهم أسبابهم للموت


للشاعر: محمد مقدادي


" مفارقات "


يا ألله !!
لماذا الماء هنا،
أزرقُ
والبحرُ الأحمرُ ،
أزرقُ
والأبيضُ ،
مُسْوَدٌّ ،
كوعاءِ الليلِ المذبوح ْ
أما في غزّةَ ...
فالبحرُ .... ،
وريدٌ ... مفتوح ْ
يا أللهْ ...،
كم ضاقت ْ،
بالأسئلةِ الرّوح ْ
يا ألله !
يا ألله !!


* * *




" الأمر ليس كما تريد "


لهم أسبابُهُم ،
والموتُ يحملُهم
على صهَواتِهِِ ،
ولهم سحابٌ عاقرٌ
ومواسمٌ مشلولةٌ كالوهم ِ
أو زبدِ البحارْ .
ولهم أساطيلٌ مجنزرةٌ
تُعِدُّ رصاصَها المخبوءَ ،
في جسد الغبار ْ .
لهم شيطانُهم
ولنا
عناقاتُ الملائكةِ الصّغار ْ .
لهم ليلٌ ،
بهيمٌ ... مُطبقٌ ،
ولنا ،
صهيلُ جيادنا ،
ولنا النّهارْ .
لهم بَرٌّ
يُسَيّجُهُ الطّغاةُ ،
من الجدارِ .. ،
إلى الجدارْ .
وبحرٌ فائضٌ ،
عن حاجة الشّطآن ِ للمنفى
ولنا ،
من الأعناق ِ مايكفي
لسيّافِ الخرافةِ
أن يجُزَّ ،
من العواصمِ ما يشاءْ .
لهم أسبابهم للموتِ
يقصفُنا .. ونقصفُهُ
ونحلمُ أن تكونَ لنا البلادُ
تحبُّنا ... ونُحبُّها
ولنا عصافيرٌ
ووردٌ
حول ساقيةٍ
تمورُ بقاصفاتِ الغيمِ ،
حينَ يصيرُ فضاؤنا ،
كِسَفاً من الأرواحِ ،
أشجاراً من الصّلواتِ ،
أضرحةً ،
أنيناً صافياً .
وقوائمُ الشُّهداءِ ،
تملاُ كلَّ فاصلةٍ ،
لنا جوعٌ
يحاصرُ لحمنا المنسيَّ
في السّاحاتِ ،
فوق جذوعِ أشجارٍ
تحطُّ على سرواتها
حِمَمٌ ،
وتزرعُ موتَها ،
في كلِّ ناصيةٍ .. وبيتْ !
زمنٌ يضيقُ بنا
لِتتَّسعَ الخرافةُ
للمزيدِ من الرّصاصْ .
زمنٌ
يضيقُ بصرخةٍ ثكلى
لِيتّسِعَ الخرابُ
لموجةٍ أخرى
من الموتِ المُفَخّخِ
إذ يكونُ بهِ الخلاصْ.
زمنٌ .. لأوّلنا ،
وآخرنا
وغائبنا.. وحاضرنا
وماضٍ ، في حقولِ الرّيحِ
يزرعُ حنطة الآباءِ
إذ نزلوا ،
إلى ميدانِ غابرنا .
لينهضَ فارسٌ ،
كالرُّمحِ ،
تنهضُ من فراغِ الوجدِ
أفراسٌ مطهَّمةٌ
فيرشحُ لحمُنا شُهُباً
وبرقاً دامياً
ونخيطُ من جرحِ الطفولةِ
طائراً للموتِ
كي نسمو بِهِ
ونحجُّ ثانيةً ،
إلى جرحٍ جديد !!

* * *

الأمرُ ليس كما تريدْ
يا حافظَ الشّرف " الوضيع "
من الأذى
الأمرُ ليس كما تريدْ .
وطنٌ بحجم الكفِّ
لكنّ الأصابعَ من حديدْ .
وجعٌ خرافيٌّ
وملءَ الرّوحِ ،
ما يُغني عن التّذكارِ
في الزمن الصّديدْ .
خرائطٌ شتّى
ودفاترٌ
شَرِقَتْ بحبر الموتِ ،
راياتٌ منكَّسةٌ
لكنّ حلماً ،
شارداً من دِكّةِ الموتى
يطيرُ إلى سنابلنا
فيبعثُ حلمَها المنسيَّ
من زمنٍ ... بعيدْ .
جاؤوا بكلِّ الرّاجماتَ
وأوغلوا بالموتِ ،
لكنّا ،
على عهد الشّهادةِ ،
أيّها الوطن الشهيدْ .
فالأمرُ ليسَ كما يريدْ .
* * *
جاسوا البلادَ ،
كما يليقُ بها
واستعجلوا موتاً
يليقُ بها
وَمَضَوْا إلى الزّمن الخرافةِ ،
يُنشِدونَ قصائدَ القتلى ،
يستصرخونَ دماءَهم
وبكاءَهم
لكنّ عِزّةَ جرحِهم
هتفت بهم
فتبدّل الزمنُ المُجَوْقَلُ
واستوى :
- في ثغر كلّ رضيعةٍ -
قَسَماً ،
بمن رفع السّماءَ كما يريد
لن تعبروا أرضاً يزنّرها البهاءُ
ولن تمرّ جحافلُ الظلماتِ ،
فوق بيارقِ الشهداءِ ،
فانتظروا
إنّا هنا ،
باقونَ كالشَّجَر
لا قيدَ يأخذُنا ،
يوماً إلى وهَنٍ
لاموتَ يدفعُُنا ،
قسراً .... إلى سفرِ
سنظلُّ مادامت
ترنو، إلى وطنٍ ،
عَيْنَا معذّبةٍ
قامت على وجلٍ
من حلمها النّضِرِ
لو جفّ ضرعُ الأرضِ ،
ليس لنا
إلاّ دماً ،
ينسابُ في خفرِ
ياأختَ غزةَ ،
مَنْ بالنّارِ منغمسٌ ،
هل يصطفي هَرَباً
من واهنِ الشّررِ ؟

* * *
لهم أسبابُهم
ولنا الطّريقُ ،
يقودُنا نحو البدايةِ ،
والنهايةِ ،
لا تهونُ بنا العزيمةُ ،
أو نهونْ !
لكأننا جسرانِ للمنفى
لكأننا ،
نهرٌ من الأحزانِ ،
طهّرنا
من الرِّجسِ المعاصرِ
أو أقانيم الوليمةِ ،
والمُجونْ .
* * *
ياصبرَ غزّةَ ،
لا تؤاخذنا
نخرَ النُّعاسُ صدورَنا
واليومَ ،
نبحثُ في الهباءِ،
عن الهباءِ ،
فلا نرى أثراً
يدُلُّ على شواهدِ قبرنا
يا صبرَ غزَّةَ
لم يعُد فينا سواكَ ،
يُعلِّمُ الزمنَ الضبابيَّ الفحولةَ ،
أو تجاوُزَ حبرنا
يا وِزرَنا
يحبو على العتباتِ .. محمولاً ،
على سُحُبٍ من الأشلاءِ ،
تلهجُ بالسّلامِ ،
على الرُّكامْ .
* * *
الزّمانُ يضيقُ بنا
والمكانُ – كذلك َ –
يُطبِقُ حولَ الأَكُفِّ ،
مطوّقةً بالعناقيدِ ،
واليافطات ْ.
الزّمانُ ... طليقٌ
ونحنُ عناصرُهُ
قابضينَ على كلّ ثانيةٍ ،
من جراحاتنا
آهِ ... يا دمَنا
يا أتمَّ اشتعالاتنا
إذ نُصلّي ..،
ونهتفُ بالقادمين َ ،
إلى مهدِ أطفالنا
أنيخوا نياقَ المسافاتِ ،
كي تعبروا سُبُلاً ،
من غمامْ .
اغمدوها .. حِرَابَكُمو
لكي نتساءلَ،
- في خِفَّةٍ بين جُرحينِ -
ماذا يقولُ النّدى للجفافْ .
وماذا تقولُ
- إذا شحَّ ماءٌ
وغابت عن القلبِ –
هذي الضِّفافْ .
وماذا يُحدِّثُ عنّا الإلهْ .
ونحنُ نسبّحُ آلاءَهُ
وتصعدُ أرواحُنا
في عُلاهْ .
اغمِدوها حِرَابَكُمو
فلكم موتُكم
ولنا ....،
ما سيبعثُ من كلِّ موتٍ
حياه !!
* * *
لهم أسبابهُم ،
ولنا جنائزُنا السّخيَّةُ ،
إذ يروقُ لها الغيابْ .
طوبى لمن ،
رَضِعَ السّحابْ .
طوبى لمن ،
دقَّت أصابعُهُ
نوافذَ صمتِنا
وأتمَّ في التّرحالِ
أغنية اليبابْ .
طوبى لمن ،
جمعَ المدائنَ كُلَّها
في كفِّ مولودٍ ،
تعلَّمَ ،
- قبلَ أن يأتي –
تراتيلَ الشّهادةِ ،
فاصطفى زمنَ الرّصاصِ
ولم يُبَدّل ،
حينَ بدّلَهُ المُصاب ْ !!
* * *
لهم أسبابُهُم
وبعدَ قليلٍ
ستمضي العصافيرُ
في شدوِها
ستمضي النَّسائمُ ،
في وشوشات الغيومْ
وبعدَ قليلٍ ،
يُحوِّمُ سربُ الغرابيبِ ،
فوقَ المنائرِ ،
عمّا قليلْ
ستنهضُ أشلاءُ شعبٍ قتيلْ
ترفرفُ أرواحُنا ،
في الهضاب البعيدةِ ،
عمّا قليلْ
سينهضُ فينا الخرابُ ،
بكاملِ أشلائهِ ،
والسَّحابُ ،
بكاملِ آلائهِ ،
والغيابُ ،
بكاملِ ما يدّعي الآبقونْ .
وعماّ قليلْ
يكونُ لهم موتهم في الحياةِ ،
إذاً ،
ولنا،
كلُّ هذا الفُتونْ !




هناك تعليق واحد:

  1. الأخ الشاعر المبدع محمد مقدادي
    هذه درّة من درر الإبداع

    ردحذف